الاثنين، 19 مارس 2012

عذرا ً

 



           لو كنت مبعداً مقصياً من بلادي ليس بمقدوري زيارتك أو الاطمئنان عليك .... سأهاتفك ، سأهمس كاتماً دموعي وتنهيداتي ، وأقول " عذراً " ...
لو كنت ذلك البائس الذي تمنعه السياسات والجدران والحواجز من الوصول اليك لأخفف من مرضك ببعض الكلمات بكأس ليمون أو شاي ، بلمسة حنون ، بقبلة دافئة .... سأرسل لكي باقة الورد المُسالمة المسكينة التي ستُفتش وتفحص مراراً للتأكد من انها ليست لعملٍ إرهابي أو اجرامي ومعها بطاقة موقعة بآهاتي ومرارتي " عذراً " ...
لو كنت ذاك المقيد خلف اطنان الاسمنت والأشواك لا أستطيع مشاركتكِ صغيرتي أول يوم مدرسي لك ... سأصرخ " سامحيني ابنتي ليس بيدي .... عذراً " .
أو كنت تلك الفلاحة بزيها الذي محت ظلمات الاحتلال زهو ألوانه تجبرها يد المحتل المدججة بالسلاح على التنحي جانباً ومشاهدة النهاية التراجيدية لشجرة الزيتون التي زرعتها يدا جدها قبل سنين طِوال .... لدمعت عيناي وتمتمتُ " عذراً ... "
لو كنت ذلك العاشق الذي ابعدته الأقدار وضروريات الحياة عنك ، تكلمينه تعبرين له عن حاجتك الماسة له واشتياقكِ ..... سأجيب كمن لا يريد سماع المزيد ، من لا يحتمل سماع المزيد " ما باليد حيلة .... عذراً حبيبتي ... عذراً "
لو كنت ذلك الذي ترغمه بيروقراطية الانظمة الفاسدة على الانتظار اسبوعين للحصور على تأشيرة لعبور البحر وحضور جنازة اخته التي قتلتها رصاصة برأوها بلقب " طائشة " اثناء تصويرها مظاهرة ضد طاغية .... لكنت وقفت على قبرها وصرخت بكل ما اوتيت من قوة " عذراً " .
ولو كنت حقاً ممن تقدم لهم هذه العذراً ... لغضبت ، لسخطت ، لصرخت في وجه قائلها ، لشتمته ، فأنا لا اعرف كيف ومن أين تُصرف هذه العذراً ؟؟!!
لكني في النهاية لن اصرخ ، لن اشتم ، سأعذره ، ولكني لم ولن اعذرهم ابداً ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق